Director General gives a speech during the Second International Symposium on Euromed
حول " الاتحاد من أجل المتوسط: أية حصيلة لأية آفاق؟" الدول العربية في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية المنتدى العالمي الثاني حول الاتحاد من أجل المتوسط كلمة السيد عبد اللطيف يوسف الحمد المدير العام/رئيس مجلس الإدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي فاس – المملكة المغربية 27- 29 مايو 2009 السادة أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة الأفاضل، يعيش العالم حاليا تبعات أسوأ أزمة إقتصادية منذ 80 سنة وأكبر انخفاض في الناتج منذ سبعينات القرن الماضي. وحيث أن هذه الإزمة وتبعاتها لم تنته بعد ومازال من الصعب التكهن بمدى آثارها وعمق انعكاساتها على الاقتصاد العالمي، إلا أنها زعزعت الثقة في النظم المالية للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وأظهرت إلى السطح خللا كبيرا على مستوى رقابة وتنظيم المؤسسات المالية، ومشاكل حوكمة كبيرة وغشًا وتلاعبًا بالقوانين، وكشفت عدم النزاهة في تقييم الملاءة الإئتمانية لكُبرى المؤسسات المالية التي أصبحت مصدرا لمضاعفة المخاطر بدلا من تحجيمها، خاصة أمام تشعب شبكة الأدوات التمويلية الحديثة مثل المشتقات وتوريق الأصول، وأمام صعوبة تقييم وتسعير درجة المخاطرة لدى تلك المؤسسات. وبسبب هذه الأزمة فقط تعطلت قنوات النظام التمويلي في الدول المتقدمة، مما أثر سلبا على الاقتصاد الحقيقي من خلال تراجع الاستثمار والإنتاج والطلب بصفة عامة. وتشير التقديرات الأولية إلى أن معدل نمو الاقتصاد العالمي يُتوقع أن يتراجع من 3.4 في المائة عام 2008 إلى سالب 1.0 في المائة عام 2009، ويُتوقع أن ينخفض حجم التجارة العالمية خلال عام 2009 بحوالي 9 في المائة، وهو أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع كذلك تراجع تدفقات رأس المال إلى الدول النامية والناشئة. وكما كان متوقعا، فقد بدأت خلال عام 2008 بوادر انتقال الآثار السلبية للأزمة والركود إلى إقتصادات وأسواق المال في الدول النامية بما فيها الدول العربية. ولم يكن تأثير الأزمة متساويا بين الدول العربية نظرا للاختلاف الكبير في خصائصها الاقتصادية وفي مستويات تنميتها ووزنها النسبي في الاقتصاد العالمي. ففي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، حيث بدأت الأزمة بوضع مالي مريح، تراجع أداء أسواقها المالية، وتأثرت ميزانيات بنوكها ومؤسساتها المالية من جراء تعامل بعضها بالمشتقات المتعثرة، وانخفاض قيم أصولها المستثمرة في الخارج، وتراجعت معدلات الائتمان. وقد تعطلت في هذه الدول مشاريع استثمارية تقدر بمليارات الدولارات. كما أثر تراجع الطلب العالمي سلبا على عوائد النفط بالنسبة لكل الدول العربية المصدرة له خاصة بعد تراجع أسعاره من قرابة 150 دولار للبرميل في يونيو من العام الماضي إلى أقل من 60 دولار حاليا، بالإضافة إلى تراجع قيمة محافظها الاستثمارية المرتبطة بصناديقها السيادية واحيتاطياتها المالية. أما بالنسبة للدول العربية الأخرى، فقد تأثرت بتراجع النمو في الدول المتقدمة وانخفاض الطلب العالمي على صادراتها من السلع والخدمات، وتراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية ورأس المال إلى الداخل، كما تأثرت سلبا أسواقها ومؤسساتها المالية. ورغم هذه التداعيات السلبية، فإن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الدول العربية بقي أقل نسبيا بالمقارنة مع مناطق أخرى في العالم، حيث سجل معدل النمو في الدول العربية ككل عام 2008 ارتفاعا بالمقارنة مع عام 2007، من 5.2 في المائة إلى 5.9 في المائة. وحتى خلال عام 2009 الذي يُتوقع أن تنخفض معدلات نمو الدول العربية خلاله، فإن هذه المعدلات سوف تبقى موجبة في معظمها بالمقارنة مع معدلات نمو سالبة متوقعة في أهم الدول المتقدمة. ويرجع الأثر المحدود نسبيا للأزمة على الدول العربية إلى عدة عوامل. يتعلق العامل الأول بالإندماج المحدود للدول العربية في الاقتصاد العالمي من حيث التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر، وإلى ضعف درجة الارتباط بين المصارف والأسواق والمؤسسات المالية العربية ببقية المصارف والأسواق العالمية. لذلك كله كان تأثر الدول العربية جراء الأزمة أقل نسبيا من تأثر بعض الدول والأسواق الناشئة في آسيا، التي تعتمد اقتصاداتها على الخارج من حيث صادرات السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية المباشرة والاستثمارات في المحافظ المالية. ويتجلى الاندماج المتواضع للدول العربية في الاقتصاد الدولي، رغم زيادة انفتاحها على الخارج خلال السنوات العشر الماضية، في عدة أوجه، منها التجارة العربية التي تبقى بعد استبعاد قطاع الصناعات الإستخراجية، محصورة في سلع تقليدية وذات قيمة مضافة متدنية، حيث أن عددا قليلا فقط من هذه الدول استطاع تطوير ميزات تنافسية في سلع ديناميكية يتزايد الطلب العالمي عليها مثل الأدوية والمعدات الطبية والكهربائية. كما أن مساهمة الدول العربية في تجارة قطاع الغياروتجارة الخدمات ضعيفة نسبيا. وعلى الرغم من التطورات التي شهدتها الساحة العالمية على صعيد ترابط الأسواق وتحرير أنظمة التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن الدول العربية تبقى غير جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بالكثير من الدول النامية مثل دول جنوب شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية. فنصيب الدول العربية من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم لم يتجاوز 4.0 في المائة في عام 2007، أما حصتها من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية فلم يتعد 6.5 في المائة، وحصتها من صافي الاستثمارات في المحافظ كانت أقل من 1.5 في المائة. من ناحية أخرى، تبقى المصارف والمؤسسات المالية العربية مرتبطة بشكل محدود في عمليات الإيداع والإقتراض والاستثمار في الأسواق المالية الدولية، وذلك نتيجة لسياسات الانفتاح شديدة الحذر التي اتبعها عدد من الدول العربية. أما العامل الثاني للتأثير المحدود للأزمة الاقتصادية على الدول العربية، فهو الأهمية النسبية المتواضعة لقطاع الخدمات المالية، والإئتمان، والأدوات الإستثمارية المتطورة في المحافظ، وكذلك ضعف مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج وفي إجمالي الاستثمار في الدول العربية. ورغم أن العوامل المذكورة تبدو في الظاهر سببا من أسباب هذا التأثير المحدود نسبيا للأزمة الحالية على الدول العربية، فهذا لا يجب أن يُبعدها عن سياسات التحرير والانفتاح على العالم، أو يُؤخذ كمبرر لمواصلة النهج الذي اتبعته معظم الدول العربية في السابق والمبني على نموذج تنموي تُهيمن عليه الدولة. خاصة وأن هذا النموذج أثبت محدوديته وتآكل قدرته على مواجهة عدة تحديات تنموية هامة مثل النمو، والتشغيل، وإرساء مجتمع المعرفة، والنهوض برأس المال البشري، والقضاء على الفقر بشتى مظاهره. أصحاب المعالي والسعادة ،،، رغم امكانية استيعاب الدول العربية آثار الأزمة العالمية، فإن هذه الأزمة زادت من صعوبة التحديات التنموية القائمة والتي يمكن لهذه الدول التغلب عليها من خلال خططها وبرامجها الإنمائية والإصلاحية. إن إدارة الخروج من الوضع الحالي الذي خلفته تلك الأزمة، يجب أن تكون في إطار مواجهة التحديات التنموية بعيدة المدى للدول العربية. ولعل من أبرز هذه التحديات هو تحقيق معدلات نمو عالية ومستديمة تُخول للدول العربية توفير فرص عمل كافية لمقابلة النمو الهائل لقوة العمل، وتُسهم في القضاء على البطالة التي بلغ متوسطها حوالي 14 في المائة، وهي الأعلى بالمقارنة مع أقاليم العالم الأخرى، وتمس قرابة 17 مليون عاطلا أكثر من نصفهم من الشباب. ورغم تحسن أداء الدول العربية عامة في مجال التشغيل خاصة في ضوء تزايد مساهمة القطاع الخاص في التوظيف، وبدء ظهور الأثر الايجابي في بعض الدول العربية لتراجع معدلات الخصوبة وعدد السكان في سن العمل، فإن هذا التحسن لم يكن متساويا في كل الدول. كما اقترنت الزيادة في التوظيف في عديد من الأحيان بتدني في الإنتاجية خاصة وأن معظم الوظائف الجديدة تركزت في قطاع الزراعة والقطاع العام، مما يطرح تساؤلا حول نوعية الوظائف التي تم توفيرها، وقدرتها على أن تكون مصادر لميزات تنافسية جديدة للدول العربية في الأسواق الدولية. وستحتاج مواجهة تحدي التشغيل في الدول العربية إلى رؤية ومُقاربة مختلفة للتنمية، وإلى حلول طويلة المدى، وإمكانات ضخمة للتمويل والاستثمار. وغني عن البيان أن التعليم وإرساء مجتمع المعرفة هما المفتاح لغد أفضل، لكن وضع الدول العربية، رغم الإنفاق الهائل في هذين المجالين، ما زال متواضعا حيث أن متوسط سنوات التمدرس في قوة العمل العربية والبالغ حوالي 5 سنوات، هو نصف سنوات تمدرس القوة العاملة في بلد مثل كوريا الجنوبية، ونوعية التعليم هي أقل من المتوسط العالمي بدلالة نتائج تلاميذنا في المناظرات الدولية في العلوم والرياضيات. كما أن وضعية البحث والتطوير تحتاج إلى تحسين، حيث ننفق كمجموعة وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عُشُر ما تنفقه الدول المتقدمة. هذا فضلا عن تركز البحوث والتطوير في مجالات تقليدية قليلة الإرتباط بالقطاع الإنتاجي ولا تُحقق ميزات تنافسية جديدة في الأسواق الدولية. أصحاب المعالي والسعادة ،،، تحتاج الدول العربية للتخفيف من آثار الأزمة الحالية، شأنها في ذلك شأن الدول المتقدمة، إلى برامج تُؤمن الاستقرار المالي وخططا لتحفيز الاقتصاد مبنية على سياسات مرنة لدعم القطاعات الحيوية المتأثرة بالأزمة. وتستوجب المرحلة الحالية كذلك الحفاظ على سلامة النظام المالي من خلال زيادة الشفافية وتعزيز نظام الرقابة التحوطية والقواعد التنظيمية الخاصة بميزانيات المؤسسات المالية، والحرص على تنسيق هذه القواعد وطنيا وتطابقها مع القواعد الدولية المتبعة التي هي بصدد المراجعة والتعديل كنتيجة للأزمة. لكن على المدى البعيد، تحتاج الدول العربية لتحسين مناعتها ضد الأزمات والصدمات الخارجية إلى نموذج جديد للتنمية، نموذج يقوم على تنويع الاقتصاد وتوسيع القاعدة الانتاجية، وانفتاح أكبر على العالم، واعتماد أكثر على القطاع الخاص، واستخدام أفضل للموارد الطبيعية والبشرية المتوافرة والذي يُمكن أن يتحقق من خلال السعي بجدية نحو التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة. كما تحتاج هذه الدول إلى تحسين الحوكمة وبيئة الأعمال، وإصلاح التعليم والنهوض بنوعيته، واستقطاب التكنولوجيا الحديثة، ودعم البحث والتطوير، وإرساء ثقافة المنافسة والكفاءة. وتُعتبر هذه العناصر في المدى البعيد واجهة الدفاع الأولى وعوامل حصانة ضد الأزمات والصدمات الخارجية، والشروط الأساسية لاستدامة النمو والنهوض بالتشغيل. وشكرا،،،
|